دخل
ضرار بن ضمرة الكناني على معاوية فقال له معاوية: ـ صف لي عليا، قال : ـ اعفني، قال : ـ لتصفنه، قال : ـ أما إذا كان لا بد من وصفه فانه كان و الله بعيد المدى شديد القوى يقول فصلا و يحكم عدلا يتفجر العلم من جوانبه و تنطق الحكمة من نواحيه يستوحش من الدنيا و زهرتها و يأنس بالليل و وحشته و كان غزير الدمعة طويل الفكرة يقلب كفه و يخاطب نفسه يعجبه من اللباس ما خشن و من الطعام ما جشب و كان فينا كأحدنا يدنينا إذا أتيناه و يجيبنا إذا سألناه و يأتينا إذا دعوناه و ينبئنا إذا استنبأناه و نحن و الله مع تقريبه إيانا و قربه منا لا نكاد نكلمه هيبة له فان تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم يعظم أهل الدين و يقرب المساكين لا يطمع القوي في باطله و لا ييأس الضعيف من عدله و اشهد لقد رايته في بعض مواقفه و قد أرخى الليل سدوله و غارت نجومه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم و يبكي بكاء الحزين فكأني اسمعه الآن و هو يقول : يا ربنا يا ربنا يتضرع إليه ثم يقول : يا دنيا غري غيري إلي تعرضت أم إلي تشوفت هيهات هيهات قد أبنتك ثلاثا لا رجعة فيها فعمرك قصير و خطرك كبير و عيشك حقير آه آه من قلة الزاد و بعد السفر و وحشة الطريق.
فبكى معاوية و وكفت دموعه على لحيته ما يملكها و جعل ينشفها بكمه و قد اختنق القوم بالبكاء و قال : رحم الله أبا الحسن كان و الله كذلك فكيف حزنك عليه يا ضرار ؟ قال : ـ حزن من ذبح ولدها بحجرها فهي لا ترقى عبرتها و لا يسكن حزنها ثم خرج.
وقال ابن عبد البر في كتاب الاستيعاب (قد اجمعوا على انه صلى القبلتين و هاجر و شهد بدرا و الحديبية و سائر المشاهد و انه أبلى ببدر و بأحد و بالخندق و بخيبر بلاء عظيما و انه أغنى في تلك المشاهد وقام فيها المقام الكريم و كان لواء رسول الله(صلى الله عليه وآله) بيده في مواطن كثيرة و كان يوم بدر بيده على اختلاف و لما قتل مصعب بن عمير يوم أحد و كان اللواء بيده دفعه رسول الله(صلى الله عليه وآله) إلى علي و لم يتخلف عن مشهد شهده رسول الله(صلى الله عليه وآله) منذ قدم المدينة إلا تبوك فانه خلفه على المدينة و على عياله بعده و قال له أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي).
و قال له رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنت وليي في كل مومن بعدي و أنت ولي كل مومن بعدي و مومنة و سد أبواب المسجد غير باب علي(عليه السلام)، و قال من كنت مولاه فان مولاه علي وعن ابن عباس أن عليا كان يقول في حياة رسول الله(صلى الله عليه وآله) إن الله تعالى يقول ا فان مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم و الله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله و الله لئن مات أو قتل لأقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت و الله إني لأخوه و وليه و وارثه و ابن عمه فمن أحق به مني وعن نافع بن عجير عن علي(عليه السلام) قال النبي(صلى الله عليه وآله) يا علي أنت صفيي و أميني و عن علي(عليه السلام) مرضت فعادني رسول الله(صلى الله عليه وآله) فدخل علي و أنا مضطجع فاتكأ إلى جنبي ثم سجاني بثوبه ـ غطاني ـ فلما رآني قد برئت قام إلى المسجد يصلي فلما قضى صلاته جاء فرفع الثوب و قال قم يا علي فقمت و قد برئت كأنما لم اشك شيئا قبل ذلك فقال ما سالت ربي شيئا في صلاتي إلا أعطاني وما سالت لنفسي شيئا إلا سالت لك مثله وعن القاسم بن زكريا بن دينار قال لي علي وجعت وجعا فأتيت رسول الله(صلى الله عليه وآله) فأقامني في مكانه و قام يصلي و ألقى علي طرف ثوبه ثم قال قم يا علي قد برئت لا باس عليك و ما دعوت لنفسي بشيء إلا دعوت لك بمثله و ما دعوت بشيء إلا استجيب لي أو قال قد أعطيت إلا انه قيل لي لا نبي بعدي وبسنده عن علي(عليه السلام) في حديث قال دعا لي رسول الله(صلى الله عليه وآله) بدعوات ما يسرني ما على الأرض بشيء منهن.
و روى أبو نعيم في الحلية بسنده عن ابن عباس (ما انزل الله آية فيها يا أيها الذين آمنوا إلا و علي رأسها و أميرها وعن حذيفة بن اليمان قالوا يا رسول الله ا لا تستخلف عليا قال إن تولوا عليا تجدوه هاديا مهديا يسلك بكم الطريق المستقيم) و بسنده عن حذيفة (قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) إن تستخلفوا عليا و ما أراكم فاعلين تجدوه هاديا مهديا يحملكم على المحجة البيضاء) و بسنده عن معاذ بن جبل (قال النبي(صلى الله عليه وآله) يا علي اخصمك بالنبوة لا نبوة بعدي و تخصم الناس بسبع و لا يحاجك فيها أحد من قريش أنت أولهم إيمانا بالله و أوفاهم بعهد الله و أقومهم بأمر الله و أقسمهم بالسوية و اعدلهم في الرعية و أبصرهم بالقضية و أعظمهم عند الله مزية و في رواية و أرأفهم بالرعية و أعلمهم بالقضية و أعظمهم مزية يوم القيامة)، و في الحلية بسنده عن انس بن مالك (بعثتي النبي(صلى الله عليه وآله) إلى أبي برزة الاسلمي فقال له و أنا اسمع يا أبا برزة إن رب العالمين عهد إلي في علي بن أبي طالب قال انه راية الهدى و منار الإيمان و إمام أوليائي و نور جميع من أطاعني يا أبا برزة علي بن أبي طالب أميني غدا في القيامة على مفاتيح خزائن رحمة ربي و صاحب رايتي يوم القيامة) وبسنده عن أبي برزة (قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) إن الله تعالى عهد إلي عهدا في علي فقلت يا رب بينه لي فقال اسمع فقلت سمعت فقال إن عليا راية الهدى و إمام أوليائي و نور من أطاعني و هو الكلمة التي ألزمتها المتقين من احبه احبني و من ابغضه ابغضني فبشره بذلك فجاء علي فبشرته إلى أن قال قلت اللهم اجل قلبه و اجعل ربيعه الإيمان فقال الله قد فعلت به ذلك ثم انه رفع إلي انه سيخصه من البلاء بشيء لم يخص به أحدا من أصحابي فقلت يا رب أخي و صاحبي فقال إن هذا شيء قد سبق انه مبتلى و مبتلى به...).
أدلة امامته:
ادلة امامته كثيرة، ملأت كتب الفريقين، وقد الف العلامة الحلي كتابا جمع فية قرابة الفي دليل، عقلي ونقلي، على امامته(عليه السلام)، وهذه ادلة قصيرة مختصرة تناسب المقام:
- الأول: وجوب العصمة في الإمام بالدليل الذي دل على وجوب العصمة في النبي فكما انه لا يجوز كون النبي غير معصوم لان صدور الذنب منه يسقط منزلته من القلوب و لا يؤمن معه زيادته في الشريعة و تنقيصه منها و يوجب عدم الوثوق بأقواله و أفعاله و هو ينافي الغرض المقصود من إرساله و نقض الغرض قبيح فلا يمكن صدوره من الله تعالى، كذلك لا يجوز كون الإمام غير معصوم لان النبي مبلغ للشرع إلى الأمة عن الله تعالى و الإمام مبلغ للشرع عن النبي و حافظ له من الزيادة و النقصان فان الإمامة رياسة عامة في أمور الدين و الدنيا لشخص من الأشخاص نيابة عن النبي(صلى الله عليه وآله) هكذا عرفها جميع علماء الإسلام و صدور الذنب من الإمام يسقطه من النفوس و لا يؤمن معه زيادته في الشريعة و تنقيصه منها مع كونه منصوبا لحفظها من ذلك، و يوجب عدم الوثوق بأقواله و أفعاله و هو ينافي الغرض المقصود من إمامته فالدليل الذي دل على عصمة النبي(صلى الله عليه وآله) بعينه دال على عصمة الإمام و قد أجمعت الإمامية على انه لا معصوم بعد النبي(صلى الله عليه وآله) سوى علي و ولده لان الأمة بين قولين إما لا معصوم أصلا وإما انحصار المعصوم فيهم فإذا دل الدليل على وجوب عصمة الإمام كانوا هم الأئمة.
و مما يدل على عصمته و عصمة الأئمة من ذريته(عليه السلام) آية التطهير ((إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)) و أحاديث الثقلين (إني مخلف فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي، كتاب الله وعترتي أهل بيتي) وسفينة نوح (مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك) و غيرها.
- الثاني: ما رواه الطبري في تاريخه و تفسيره و البغوي و الثعلبي في تفسيره و النسائي في الخصائص و صاحب السيرة الحلبية و رواه من ثقاة أصحابنا و محدثيهم محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي و الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في مجالسه قال الطبري في تاريخه (حدثنا ابن حميد حدثنا سلمة حدثني محمد بن اسحق عن عبد الغفار بن القاسم عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب عن عبد الله بن عباس عن علي بن أبي طالب قال لما نزلت (و انذر عشيرتك الأقربين) دعاني رسول الله(صلى الله عليه وآله) ـ إلى أن قال ـ فاصنع لنا صاعا من طعام و اجعل عليه رجل شاة و املأ لنا عسا من لبن و العس القدح الكبير ثم اجمع لي بني عبد المطلب ففعلت ما امرني ثم دعوتهم و هم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصونه فيهم أعمامه أبو طالب و حمزه و العباس و أبو لهب فلما وضعت الطعام تناول جذبة من اللحم فشقها بأسنانه ثم ألقاها في نواحي الصحفة ثم قال خذوا باسم الله فأكلوا حتى ما لهم بشيء حاجة و ما أرى إلا موضع أيديهم و أيم الله إن كان الواحد منهم ليأكل ما قدمت لجميعهم و شربوا من ذلك العس حتى رووا جميعا و أيم الله إن كان الواحد منهم ليشرب مثله فلما أراد أن يكلمهم بدره أبو لهب فقال لشد ما سحركم صاحبكم فتفرقوا و لم يكلمهم، ثم فعل مثل ذلك في اليوم الثاني فأكلوا و شربوا فقال يا بني عبد المطلب إني قد جئتكم بخير الدنيا و الآخرة و قد امرني الله تعالى أن أدعوكم إليه فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على ان يكون أخي ووصيي و خليفتي فيكم، فأحجم القوم جميعا و قلت و إني لأحدثهم سنا و أرمصهم عينا و أعظمهم بطنا و أحمشهم ساقا أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه فاخذ برقبتي ثم قال ان هذا أخي و وصيي و خليفتي فيكم فاسمعوا له و أطيعوا فقاموا يضحكون و يقولون لأبي طالب قد أمرك أن تسمع لابنك و تطيع).
- الثالث: النص على إمامته من النبي(صلى الله عليه وآله) يوم الغدير حين رجع من حجة الوداع و معه ما يزيد على مائة ألف فخطبهم و قال في خطبته و قد رفعه للناس و اخذ بضبعيه فرفعهما حتى بان للناس إبطيهما ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه و احب من احبه و ابغض من ابغضه و انصر من نصره و اعن من أعانه و اخذل من خذله و ادر الحق معه حيث دار، ثم افرده بخيمة و أمر الناس بمبايعته بإمرة المؤمنين حتى النساء.
وقد ذكر استشهاد علي(عليه السلام) في خلافته جماعة من الصحابة على حديث الغدير في السيرة الحلبية (قد جاء ان عليا قام خطيبا ثم قال انشد الله من شهد يوم غدير خم إلا قام و لا يقوم رجل يقول أنبئت أو بلغني إلا رجل سمعت أذناه و وعى قلبه فقام سبعة عشر صحابيا و في رواية ثلاثون صحابيا و في المعجم الكبير ستة عشر و في رواية اثنا عشر فذكر الحديث و عن زيد بن أرقم كنت ممن كتم فذهب الله ببصري و كان علي دعا على من كتم).
و قال ابن كثير في تاريخه (أورد ابن ماجة عن عبد الله ابن الإمام احمد في مسند أبيه بعدة أسانيد عن سعيد بن وهب و عن زيد بن يثيع قال نشد علي الناس في الرحبة من سمع رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول يوم غدير خم ما قال إلا قام فقام من قبل سعيد ستة و من قبل زيد ستة فشهدوا انهم سمعوا رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول لعلي يوم غدير خم أليس رسول الله أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه قال و في بعضها زيادة و انصر من نصره و اخذل من خذله).
صعوده على منكب النبي(صلى الله عليه وآله) و إلقاؤه الصنم عن الكعبة:
روى الحاكم في المستدرك بسنده عن علي بن أبي طالب قال : انطلق بي رسول الله(صلى الله عليه وآله) حتى أتى بي الكعبة فقال لي اجلس فجلست إلى جنب الكعبة فصعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) بمنكبي ثم قال لي انهض فنهضت فلما رأى ضعفي تحته قال لي اجلس فنزلت و جلست ثم قال لي يا علي اصعد على منكبي فصعدت على منكبيه ثم نهض بي فلما نهض بي خيل لي لو شئت نلت أفق السماء، فصعدت فوق الكعبة و تنحى رسول الله(صلى الله عليه وآله) فقال لي الق صنمهم الأكبر صنم قريش و كان من نحاس موتدا بأوتاد من حديد إلى الأرض فقال لي عالجه و هو يقول لي إيه إيه جاء الحق و زهق الباطل ان الباطل كان زهوقا، فلم أزل أعالجه حتى استمكنت منه فقال اقذفه فقذفته فتكسر و ترديت من فوق الكعبة فانطلقت أنا و النبي(صلى الله عليه وآله) نسعى و خشينا ان يرانا أحد من قريش و غيرهم قال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه البخاري و مسلم.
فداء علي(عليه السلام) للنبي(صلى الله عليه وآله) بنفسه:
و كما فدا أبو طالب النبي(صلى الله عليه وآله) بولده علي فكان يقيم النبي من مرقده خوفا عليه من اغتيال المشركين و ينيم ولده عليا مكانه ليكون فداء له لو قصده المشركون باغتيال، كذلك فدا علي(عليه السلام) النبي(صلى الله عليه وآله) بنفسه بعد وفاة أبيه فنام على فراش النبي(صلى الله عليه وآله) ليلة الغار و فداه بنفسه.
و سن له أبوه في حياته في المحافظة على النبي(صلى الله عليه وآله) إلى حد الفداء بالنفس سنة اتبعها علي(عليه السلام) بعد وفاة أبيه و وطن نفسه عليها و استهان بالموت في سبيلها، و ذلك ان قريشا ائتمرت برسول الله(صلى الله عليه وآله) في دار الندوة لما أعياهم أمره و رأوا دعوته لا تزداد إلا انتشارا فاجمع رأيهم على اغتياله ليلا و هو في فراشه و انتخبوا من قبائلهم العشر من كل قبيلة رجلا شجاعا ليهجموا عليه ليلا فيقتلوه و يضيع دمه في القبائل و يرضى قومه بالدية، وكان البلاء قد اشتد على المؤمنين بمكة من المشركين فأذن لهم النبي(صلى الله عليه وآله) بالهجرة إلى المدينة فهاجروا فلما رأى ذلك المشركون اجتمعوا في دار الندوة و ائتمروا في رسول الله(صلى الله عليه وآله) فقال العاص بن وائل و أمية بن خلف نبني له بنيانا نستودعه فيه حتى يموت فقال صاحب رأيهم لئن صنعتم ذلك ليسمعن الحميم و المولى الحليف ثم لتأتين المواسم و الأشهر الحرم بالأمن فلينتزعن من أيديكم فقال عتبة و أبو سفيان نرحل بعيرا صعبا و نوثق محمدا عليه ثم نقصع البعير بأطراف الرماح فيقطعه إربا إربا فقال صاحب رأيهم أرأيتم إن خلص به البعير سالما إلى بعض الافاريق فاخذ بقلوبهم بسحره و بيانه فصبا القوم إليه و استجابت القبائل له فيسيرون إليكم بالكتائب و المقانب فلتهلكن كما هلكت اياد، فقال أبو جهل لكني أرى لكم رأيا سديدا و هو ان تعمدوا إلى قبائلكم العشر فتنتدبوا من كل قبيلة رجلا نجدا ثم تسلحوه حساما عضبا حتى إذا غسق الليل أتوا ابن أبي كبشة فقتلوه فيذهب دمه في قبائل قريش فلا يستطيع بنو هاشم و بنو المطلب مناهضة قريش فيرضون بالدية فقال صاحب رأيهم أصبت يا أبا الحكم هذا هو الرأي فلا تعدلوا به رأيا و كموا في ذلك أفواهكم، فسبقهم الوحي بما كان من كيدهم و هو قوله تعالى ((و إذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك و يمكرون و يمكر الله و الله خير الماكرين)) فدعا رسول الله(صلى الله عليه وآله) علياً(عليه السلام) و اخبره بذلك و قال له أوحى إلي ربي أن اهجر دار قومي و انطلق إلى غار ثور تحت ليلتي هذه و ان آمرك بالمبيت على فراشي ليخفي بمبيتك عليهم أمري، و اشتمل ببردي الحضرمي وكان له برد حضرمي اخضر أو احمر ينام فيه ثم ضمه النبي(صلى الله عليه وآله) إلى صدره و بكى وجدا به فبكى علي جزعا لفراق رسول الله(صلى الله عليه وآله) .وفي ذلك يقول الشاعر الحاج هاشم بن الحاج حردان الكعبي من قصيدة علوية حسينية :
ومــواقـف لــك دون احـمـد جـاوزت
فعلى الفراش مبيت ليلك والعـدى
فـرقــدت مــثـلــوج الـفـؤاد كـأنـمـا
فـكـفـيـت لـيـلـتـه و قـمت معارضا
واسـتـصـبحوا فرأوك دون مرادهمأ
رصـدوا الـصـباح لينفقوا كنز الهدى |
| بـمـقـامـك الـتـعـريـف و الـتـحـديدا
تهـــدي إليك بوارقـــــا ورعــــــودا
يـهـدي الـقـراع لـسـمعك التغريدا
بــالــنــفــس لافــشـلا ولارعـديـدا
جــبــلا أشــم وفــارســا صـنـديـدا
و مــا دروا كــنــز الـهـدى مـرصـودا</FONT> |
هجرته إلى المدينة :
خرج علي(عليه السلام) بالفواطم، فاطمة بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله) و أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم و فاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب و زاد بعضهم فاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب، و تبعهم ايمن بن أم ايمن مولى رسول الله(صلى الله عليه وآله) و أبو واقد الليثي، قال الشيخ الطوسي (فجعل أبو واقد يسوق الرواحل سوقا حثيثا فقال علي(عليه السلام) ارفق بالنسوة يا أبا واقد إنهن من الضعائف قال إني أخاف أن يدركنا الطلب قال أربع عليك، ثم جعل علي(عليه السلام) يسوق بهن سوقا رفيقا و هو يقول : ليس إلا الله فارفع ظنكا يكفك رب الناس ما اهمكا.
فلما قارب ضجنان أدركه المشركون و هم ثمانية فرسان ملثمون معهم مولى لحرب بن أمية اسمه جناح و كانت قريش لما فاتها محمد(صلى الله عليه وآله) و بطل كيدها فيه و لم تقدر عليه ثم رأت ان عليا(عليه السلام) قد خرج من بينهم جهارا بالفواطم الهاشميات لاحقا بابن عمه أعدى أعدائهم و ما هو إلا رجل واحد و هم عصبه أخذهم الحنق و هاجت بهم العداوة و قالوا كيف يخرج هذا الشاب الهاشمي المنفرد عن ناصر، ابن عم محمد، بنسائه ظاهرا غير هياب و لا نناله بسوء و لا نرده صاغرا، ان هذا لذل و عار علينا إلى الأبد، فانتخبوا من فرسانهم هؤلاء الثمانية ليلحقوه و يردوه فقال علي(عليه السلام) لأيمن و أبي واقد أنيخا الإبل و اعقلاها و تقدم فانزل النسوة و دنا القوم فاستقبلهم علي(عليه السلام) منتضيا سيفه و الله اعلم كم كان خوف النسوة لما رأين هذه الحال و كأنهن كن يتناجين هل يستطيع علي(عليه السلام) و هو رجل واحد راجل ليس بفارس مقاومة ثمانية فرسان فتارة يغلب عليهن اليأس و يبتهلن إلى الله تعالى ان ينصر عليا(عليه السلام) على عدوه و تارة يقلن ان عليا(عليه السلام) ملامح الشجاعة عليه ظاهرة بينة و لو لم يعلم انه كفؤ لكل من يعارضه لما خرج بنا ظاهرا معلنا فيغلب عليهن الأمل فقال الفرسان : ظننت انك يا غدار ناج بالنسوة ارجع لا أبا لك و هكذا يكون خطاب ثمانية فرسان لرجل واحد لا يظنون انه يقدر على مقاومتهم قاسيا جافيا قال علي(عليه السلام) مجيبا لهم جواب شخص غير مبال بهم و لا مكترث، جواب هادئ مطمئن: فان لم افعل ؟ فأجابوه بجواب كسابقه في القساوة و الجفاء قالوا : لترجعن راغما أو لنرجعن باكثرك شعرا و اهون بك من هالك و دنوا من المطايا ليثوروها فحال علي(عليه السلام) بينهم و بينها فأهوى له جناح بسيفه، فراغ عن ضربته رواغ عارف بالفنون الحربية ماهر فيها و هو بعد لم يباشر حربا قبلها و سنه لم يتجاوز العشرين أو تجاوزها بقليل و ضرب جناحا على عاتقه فقده نصفين حتى وصل السيف إلى كتف فرسه و ذلك ان عليا راجل و جناح فارس و الفارس لا يمكنه ضرب الراجل بالسيف حتى ينحني ليصل سيفه إلى الراجل فلما انحنى جناح لم يمهله علي(عليه السلام) حتى يعتدل بل عاجله بأسرع من لمح البصر و هو منحن بضربة على عاتقه قبل ان يعتدل قدته نصفين، و هذا شيء لم يكن في حسبان جناح و أصحابه و شد على أصحابه و هو على قدميه شدة ضيغم و هو يقول :
آلـيـت لا اعـبـد غـيـر الواحد | | خلوا سبيل الجاهد المجاهد |
فتفرق القوم عنه و قالوا : احبس نفسك عنا يا ابن أبي طالب قال : فإني منطلق إلى أخي و ابن عمي رسول الله فمن سره ان افري لحمه و أريق دمه فليدن مني.
وفي السيرة الحلبية (آخى النبي(صلى الله عليه وآله) قبل الهجرة بين المهاجرين و آخى بين علي و نفسه و قال ا ما ترضى ان أكون أخاك قال بلى يا رسول الله رضيت قال فأنت أخي في الدنيا و الآخرة).
في غزواته:
قال كل من كتب في التاريخ و الآثار و السير انه لم يتخلف عن النبي(صلى الله عليه وآله) في موطن قط إلا في غزوة تبوك لأن النبي(صلى الله عليه وآله) علم انه ليس فيها حرب فخلفه على المدينة، فعُلم من ذلك وجوده في جميع الغزوات و ان كانت غير مهمة ، كما ان أكثرهم قال انه كان صاحب الراية في جميع الغزوات.
غزوة الأبواء:
و كانت في صفر لاثنتي عشرة ليلة مضت منه على راس اثني عشر شهرا من مقدمه المدينة و هي أول غزوات النبي(صلى الله عليه وآله) و أول غزوة حمل فيها راية مع النبي(صلى الله عليه وآله) ، خرج النبي في ستين راكبا من المهاجرين فيهم علي(عليه السلام) يريد عيرا لقريش فلم يلق حربا و كانت رايته مع علي(عليه السلام).
غزوة بدر الكبرى:
و كانت في شهر رمضان يوم تسعة عشر أو سبعة عشر منه على راس تسعة عشر شهرا من الهجرة كان المسلمون فيها ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا و معهم فرسان و سبعون بعيرا فكان الرجلان و الأكثر يتعاقبون بعيرا واحدا و كان النبي(صلى الله عليه وآله) و علي(عليه السلام) و مرثد بن أبي مرثد يتعاقبون بعيرا لمرثد و كان المشركون تسعمائة و خمسين أو عشرين مقاتلا و قادوا مائتي فرس و قيل أربعمائة و الإبل سبعمائة بعير و أعطى النبي(صلى الله عليه وآله)رايته في هذه الغزاة إلى علي(عليه السلام).
وقعة أحد:
و كانت في شوال لسبع خلون منه أو للنصف منه يوم السبت سنة ثلاث من الهجرة على راس اثنين و ثلاثين شهرا منها و عقد رسول الله(صلى الله عليه وآله) ثلاثة ألوية على ثلاثة رماح ، لواء المهاجرين بيد علي بن أبي طالب(عليه السلام) و لواء الأوس بيد أسيد بن حضير ، و لواء الخزرج بيد الحباب بن المنذر أو سعد بن عبادة ، و أعطى الراية و هي العلم الأكبر (واللواء دونها) علي بن أبي طالب(عليه السلام)، و برز طلحة بن أبي طلحة عبد الله بن عثمان العبدري صاحب لواء المشركين و كان يسمى كبش الكتيبة و طلب البراز مرارا فلم يجبه أحد فبرز إليه علي بن أبي طالب(عليه السلام) فقتله.
</SPAN>
و اتفق المؤرخون على أن الذي قتل طلحة هو علي بن أبي طالب(عليه السلام).