بكيتُ إلى أنْ براني الأنينْ |
وأذبلَ زهرةَ عمريْ الحزينْ |
وأشعَلَ في القلبِ آلامَهُ |
وأحْرقَهُ بالأسى والشُّجُونْ |
بكيتُ.. وما كنتُ أهوى البكا.. |
ولكنَّ دهريْ سقانيْ الجنونْ.. |
يسوقُ إليَّ جفافَ الزمان.. |
وهمَّ الحياةِ.. لئلا أكونْ..! |
وحين أفرُّ.. تخونُ اللياليْ |
وتفتحُ أنيابَها ليْ السنونْ..! |
سئمتُ حياتيْ.. وملَّتْ جُفُونيْ |
دموعاً كمثلِ السَّحابِ الهتونْ |
تسحُّ.. وأشعُرُ إذ تَتَهامَى |
بأنَّ حياتيَ منِّيْ تَبينْ.. |
وأنيْ إلى القبر أخطو سريعاً |
كما خطواتِ الجواد الرصينْ |
وأنيَ أغرقُ في زورقِ |
كسيرٍ.. وأخبو مع الغارقينْ |
وأهديْ إلى الموت روحيَ طوعاً |
بلا جَزَعٍ أو أسى أو أنينْ |
أقدِّمها منْ فؤادٍ محبّ |
كما يتهادى الهوى العاشقونْ |
بكيتُ.. وكمْ منْ فؤادٍ بكى؟! |
ولكنَّ ما بيَ يبكيْ المنونْ..! |
أحسُّ بأنَّ المدى يتلظَّى.. |
ليحرقَ ما كان بيْ منْ فتونْ |
وأن الظلامَ يهيِّجُ همِّيْ |
لينهَشَ أضلاعَ حلميْ الدفينْ |
وأن الدروبَ تضيقُ أماميْ |
لتخنقَ تغريدَ قلبيْ السجينْ |
وأن الحروفَ تفرُّ بعيداً |
إذا أبصرتْ ركب شعري الحزينْ! |
وأن الأسى يستفزُّ ضلوعيْ |
كما تستفزُّ الغيورَ الظُّنُوْنْ |
أحسُّ بأني.. وأني.. وأني.. |
كأني ولدتُ لهذي الشجونْ..! |
يحاصرنيْ الهمُّ منْ كلِّ وجهٍ |
وتغلقُ بابَ الأمانيْ المنونْ |
وتعصفُ بيْ ذكرياتُ الهوى.. |
فتحبسُ أنفاسَ عمريْ الثمين |
وتطلقُ آهات صدري المعنَّى |
وتُسبْلُ دمْعَ فؤاديْ السَّخينْ |
وأبسمُ حيناً وكالطير أشدو... |
فيغتالُ فرحةَ شدويْ الحنينْ..! |
ورغمَ الأسى لم أزلْ ثابتاً |
أواجه وحديْ رياحَ السنينْ |
وألثمُ وجهَ الصباحِ النديِّ |
وألطمُ كفَّ الظلامِ الخؤونْ |
لئلاً أرى في الورى مطرقاً.. |
كئيباً.. فيشمِتُ بيْ الشامتونْ |
وإنِّيْ لأظهرُ أني سعيدٌ |
ولي في الحشا من جراح طنينْ |
ويحطمني البؤس.. في داخلي |
وعزميْ كما الطودِ لا يستكينْ |
ولو كانَ غيريَ ماتَ نواحاً.. |
ولكنَّ ليْ همةً لا تلينْ.. |
تُهوِّن كل عظيمٍ.. وتأبى |
إذا حاولوا غبنَها أنْ تهونْ.. |
وها أنذا قد خبرت حياتي |
وأبصرت ما خلفها من فتونْ.. |
وأدركت أني بها سوف أفنى |
وأني إلى الله يوماً أكونْ.. |
هناك العقاب.. وثم الحساب.. |
الذي لا يورِّث إلا الشجونْ |
فإما نعيمٌ.. وإما جحيمٌ |
يذوب لحر لظاها الجبينْ |
إلهيْ.. سئمتُ حياتْي.. إلهيْ |
فكلُّ عزيزٍ لديها مَهِينْ |
وكلُّ جميلٍ بها سوف يبلى |
وكل خليلٍ بها سيَبِينْ |
ولولا التزامي بشرعك ربي |
وهدي نبيي الحبيب الأمينْ |
لقطعت جسمي وريداً وريداً.. |
وأهديت ما في الحشا للمنونْ |
وأقبلتُ نحوك مولايَ أعدو.. |
وَقَدْ قَطَّعَ الشَّوقُ قلبيْ الحزينْ.. |
بنفسيْ سموٌّ إليكَ إلهي |
ومن لي سواك وأنت المعينْ؟! |
فكفر ذنوبي.. ولملم شتاتي.. |
وَطَهِّرْ فؤاديْ بماءِ اليقينْ |
وكن لي معيناً إذا ما رماني |
زماني بسهم غدورٍ خؤونْ.. |
إذا المرء كان له الله عوناً |
فأسهل ما يعتريه المنونْ..!!! |