وتتضمن أجندة الرئيس مبارك عددًا من القضايا، تأتي في مقدمتها القضايا الخارجية، ثم قضايا العلاقات الثنائية.
وفيما يتعلق بالقضايا الخارجية؛ فإن الأجندة تحددت تجاه القضية الفلسطينية وإيران، فيما لا تزال غير واضحة تجاه السودان.
أ) القضية الفلسطينية: يذهب الموقف المصري- من حيث المبدأ- إلى أن السياسة الأمريكية تحقق تقدمًا على المسار الفلسطيني، وأن زيارة الرئيس مبارك سوف تساعد في بلورة المبادرة الأمريكية تجاه ما تعتبره سلامًا إقليميًّا، وترى مصر أن التزامها تجاه فلسطين يعد من مقتضيات الأمن القومي، وتذهب إلى أن ثمة تحديَيْن يواجهان دورها في هذا النطاق؛ هما:
1- الأزمة السياسية في الحكومة الصهيونية؛ حيث ترى مصر أن إصرار نتنياهو وحكومته على التوسع في "الاستيطان" يشكِّل تحديًا للسياسة الأمريكية، مع الأخذ في الاعتبار أن هذا الأمر ليس بجديد، وأن الخلاف بين الصهاينة وصنَّاع القرار الأمريكي خلافٌ شكليٌّ، ودائمًا يُحسم لصالح الصهاينة ضد الإسلام والمسلمين.
2- كما ترى أن إنهاء الخلافات الفلسطينية يعدُّ ضرورةً للمضي في مفاوضات السلام، وتسعى مصر في هذه الأيام لترتيب لقاءات بين حركتي فتح وحماس، وكأن حلَّ القضية الفلسطينية يعتمد في المقام الأول على الوفاق (الفلسطيني- الفلسطيني).
ورغم إدراك مصر للتحديات في الشأن الفلسطيني، إلا أن سياستها في التعامل معها لم تتضح أبعادها، وخاصةً في ملف الحوار الفلسطيني؛ إذ ظل الحوار متوقفًا على إرادة الطرفين، ويبدو أن السياسة المصرية تقوم على دعم الولايات المتحدة في الضغط على الكيان الصهيوني، دون أن تقوم مصر بممارسة ضغوط على الكيان ولو من حيث الشكل.
وهنا يمكن الإشارة إلى التوسع في التعاون الاقتصادي بين مصر والصهاينة، والمشاركة في الحصار على غزة، وعدم الالتزام بهذه الأمور يهدر فرصًا كان يمكن أن تشكل ضغطًا مباشرًا على الكيان الصهيوني من شأنه تحسين شروط الموقف المصري.
ب) أما فيما يتعلق بإيران: فإن الموقف المصري ما زال محددًا في تأكيد حق الدول في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، ورفض امتلاك إيران أو الكيان الصهيوني أسلحة نووية، وهذا جانبٌ من المشكلة مع إيران، أما الجانب الآخر فهو يتعلق بما تعتبره مصر تدخلاً في الشئون الداخلية لبعض الدول، ومع ذلك فقد صرَّح الرئيس مبارك في واشنطن بأنه يجب إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، وأضاف أن هذا لا يعني أنه إذا كان الصهاينة يمتلكون هذه الأسلحة أن تمتلكها إيران؛ الأمر الذي يظهر الموقف المصري في أضعف حالاته.
ومن حيث مستجدات الموقف المصري، فإنه لم يتضح موقفها- حتى الآن- من قضايا الأمن الإقليمي (المظلة الدفاعية الأمريكية)، وإن كان هناك رفضٌ شكليٌّ لهذه المظلة حتى الآن، وبشكل عام لا يتوقع حدوث تغير في الموقف المصري تجاه إيران.
جـ) العلاقات الثنائية: يصاحب الزيارة دعاية سياسية مفرطة، تقول بأن الزيارة تعيد العلاقات (المصرية- الأمريكية) إلى فترة ما قبل "بوش"؛ حيث الحوار الإستراتيجي، وتحسن العلاقات الثنائية والمصالح المتبادلة.
كما يصاحب الزيارة ظاهرة التحالف بين الكنيسة والسلطة؛ حيث تدعم الكنيسة الرئيس (مبارك) في مواجهة "أقباط المهجر"، وفي هذا السياق أرسلت الأنبا (يؤانس) لهذا الغرض، وقد ظهر التحالف بين الطرفين منذ تأييد الكنيسة للتعديلات الدستورية، وفي الوقت الحالي تبدو مؤشرات على قبولها توريث السلطة قد يؤدي إلى إقحام موضوع الأقباط ضمن أجندة الزيارة، وأن التحالف بين سلطة ضعيفة حالاً ومستقبلاً وفي ظل الدعم الأمريكي للكنيسة سوف يجعل الكنيسة طرفًا مهمًّا في العملية السياسية.
وفي سياق تصور مصر عن العلاقات الثنائية، تذهب مصر إلى أنه في ظل تراجع المعونة إلى 250 مليون دولار، فمن الضروري حصر التعاون في ملفات: التعليم، البحث العلمي، المرأة، معالجة الفقر، والمشروعات المتوسطة والصغيرة.
وقد استبعدت مصر البدء بمفاوضات التجارة الحرة في هذه المرحلة، وقد أشار تقرير صادر عن "معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى" إلى وجود صفقة بين الطرفين، وذلك فيما يتعلق بحقوق الإنسان والديمقراطية، وهذا ما يتوافق مع مطالب مصر بحقها في الرقابة على إنفاق المعونة، وتحديد طرق صرفها في المجالات السابق الإشارة إليها.
هذا التوجه إذا تمَّ التوافق عليه، فإنه سوف يشكِّل تحوُّلاً في السياسة الأمريكية تجاه مواقفها السابقة، والتي تعتبر الإصلاح السياسي قاطرةً للاستقرار والتنمية، وهو ما قد يؤثر مباشرة في منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال حقوق الإنسان ودعم الديمقراطية.
ملحوظة: "ملحق بالقراءة معظم أجزاء الحوار الذي أجراه تشارلي روز مع الرئيس المصري في واشنطن وأُذيع في قناة (cbs) فجر الثلاثاء بتوقيت القاهرة.
الشأن الإقليمي
دلالات نتائج مؤتمر فتح:
|
محمود عباس خلال مؤتمر فتح السادس |
</TR>
يعكس عدم صدور بيان ختامي لحركة "فتح" عمق الأزمة التي تواجه الحركة، وخاصةً في ظل مواجهة خيارات مصيرية تتعلق بمستقبل القضية الفلسطينية، وبغضِّ النظر عن غموض الأجندة السياسية لحركة "فتح"، وعدم وضوح أولوياتها، فإنَّ نتائج المؤتمر تشير إلى الملاحظات التالية:
1- إن تركيبة اللجنة المركزية موزَّعة على خمسة اتجاهات سياسية وأمنية، وهذا ما قد يؤثِّر سلبًا في تماسك المواقف السياسية للحركة بزيادتها ضعفًا، وخاصةً في ظل تباين الأولويات السياسية ما بين إعادة بناء الحركة وحسم الصراع مع حماس لصالح العدو الصهيوني.
2- أن المؤتمر استبعد معارضي التسوية السياسية من تشكيلات الهيئات القيادية، وقد يكون ذلك نتيجة تضاؤل فرص عقد المؤتمر بالخارج، أو ربما كان نتيجة إصرار "عباس" على عقد المؤتمر في "بيت لحم"، وأيًّا ما كان السبب فإن الواقع يشير إلى خلوِّ التشكيلات القيادية من معارضي السلام، ووجود أكثرية تقبل بتأخير أولوية المقاومة المسلحة.
3- إن التوجهات أو الأدوار الأمنية سوف تشكِّل ركنًا أساسيًّا في سياسات الحركة، وخاصةً في ظل وجود المسئولين السابقين عن الأجهزة الأمنية (وقائي الضفة وغزة والاستخبارات) في اللجنة المركزية، وهذا الوضع سوف يكون داعمًا للسياسات الأمريكية والصهيونية؛ حيث يزداد التقارب بينهم في معالجة المسائل الأمنية التي تقوم بها السلطة الفلسطينية.
4- إن هذه النتائج سوف تزيد الفجوة بين حركتي "حماس" و"فتح"، وبشكل لا يمكن التوقع معه حدوث تحسن في العلاقة بينهما، ومن المرجَّح أن تقوم إستراتيجية حركة "فتح"- وبدعم إقليمي- بمحاولة تفكيك سلطة "حماس" في غزة، ويكون تعزيز الحصار وإطالة أمده سياسةً مشتركةً بين "فتح" من ناحية والصهاينة وأمريكا وبعض دول الجوار من ناحية أخرى.
5- إن المؤتمر أعاد تجديد شرعية "محمود عباس" كرئيس للحركة وقائدها العام، وهو ما يعطيه حرية التحرك- في ظل التركيبة الجديدة- والاقتراب من السياسة الأمريكية والصهيونية أكثر وأكثر؛ الأمر الذي لا يحقق المصلحة الفلسطينية، ويصب بالضرورة لصالح الصهاينة.
الشأن الدولي
1- استمرار هيمنة أمريكا على شئون العراق:
|
الاحتلال ما زال له الكلمة الطولى في العراق |
</TR>
تسعى الولايات المتحدة لتطوير تعاونها الأمني مع سوريا، في إطار ما تسميه "التعاون الأمني الإقليمي"، ولهذا الغرض أرسلت وفدًا عسكريًّا إلى دمشق لمناقشة التعاون المشترك تجاه حفظ الأمن على الحدود (العراقية- السورية)، ومكافحة التسلل إلى العراق، وذلك كمقدمة للتعاون على المستوى الإقليمي.
تأتي هذه الخطوة الأمريكية رغم البدء بتنفيذ الاتفاقية الأمنية مع الحكومة العراقية، وسحب القوات الأمريكية من المدن العراقية إلى القواعد العسكرية، ويُظهر ذلك أن السياسة الأمريكية ما زالت ترى أن مسألة الأمن الإقليمي المحيطة بالعراق من الاختصاصات الأمريكية، وأنه ليس من المتوقع التنازل عن هذه المهمة في ظل وجود قواعد أمريكية داخل العراق، وهذا ما يقلِّل من أهمية الحديث عن الاستقلال والسيادة، وعدم التدخل في شئون العراق الداخلية.
بعد مرور ما يقرب من شهرين على إجراء الانتخابات الرئاسية الإيرانية؛ تسعى السياسة الإيرانية لحسم الجدل والصراع حول نتائج الانتخابات، فمنذ أيام عُقِدَت محاكمات لرموز من معارضي نتائج الانتخابات، وتجري هذه المحاكمات بضغط من الحرس الثوري.
ولم يقتصر الجدل على نتائج الانتخابات بقدر ما كانت هناك مطالبات بمناقشة فلسفة النظام السياسي والقوعد الحاكمة له، وهو ما كان سببًا في الصدام بين السلطة وعلي خامنئي من جهة والمعارضين من جهة أخرى، وتشير مواقف خامنئي ومسار المحاكمات الحالية إلى إصرار مؤسسات الدولة على الحفاظ على قيم النظام السياسي؛ باعتبارها قيمًا عليا لا يجوز المساس بها، وأن السلطة تتصرَّف هنا على أن النظام أصبح يواجه تهديدًا مباشرًا وقويًّا.
وهذا التوجه وإن كان يحقق الاستقرار في الوقت الراهن، إلا أنه لا يُنهي الجدل حول القضايا المتعلقة بالتحولات الداخلية في النظام، ومدى تعبيرها عن اتجاهات الرأي العام، وهذا ما قد يؤثر في استقرار الدولة، وقد يدفعها إلى تبنِّي سياسة خارجية انكماشية.